بأسلوب مغاير عماد الطائي يعيد صياغة الواقع المتخيل لإبراز الهم الانساني

المقاله تحت باب  محور النقد
في 
07/03/2011 06:00 AM
GMT



 من الاسماء الشابة التي فرضت وجودها على المشهد التشكيلي العراقي يبرز اسم الفنان المغترب عماد الطائي، من مواليد بغداد عام 1973، كواحد من الشباب الذين يحاولون بجهد واضح ان يطرحوا مفهوماً وتجربة جديدة بتميزها كي تضيف الى رصيد المشهد التشكيلي شيئاً.

لقد عرف الفنان، مذ تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة في عام 1996 وعمله في تدريس الرسم في معهد الفنون الجميلة، بتأثره بالاجواء الواقعية والرموز الشرقية والبغدادية واشتغاله على جمالية المرأة والخيول، دون ان يخفي تأثره الواضح بنهج رواد التشكيل العراقي من امثال فائق حسن وسعد الطائي.

لكننا نحاول الآن ان نرصد آخر التطورات الاسلوبية في اعماله، اذ اعتمد فيه على التجريد الشكلي للمفردات في بناء تجديدي لتجربته التشكيلية والتي ترسخت بشكل واضح مذ اقام في العاصمة الاردنية، عمان، معرضه الشخصي الذي حمل عنوان ' عتيق' والذي اقترح فيه إحالات بصرية جديدة لموضوعة واحدة هي الخيول كمفردة وحيدة. ثم ما تلاه من معارض ومشاركات دولية في العديد من بلدان العالم، متجاوزا بأسلوبه اعماله السابقة التي اعتمدت تجسيد الواقع ونقله بشكل تصويري دقيق.وهنا لا يمكن ان لا نهمل التأثير النسقي وتطابقه مع الواقع، فالعمل الفني عنده مبني اساسا على كونه نتاج ارادة واعية في الصياغة والتكوين البنائي العام للوحة متأتيا من نمط ادراك إبداعي مرتكز على مخزون المدرسة الواقعية التي بدأ بها مشواره الفني إلى أن وصل بها مراحل متقدمة من الاتقان الحرفي والسيطرة اللونية حتى عرف بأسلوبيته المتميزة عن كل اقرانه.
لكن اعماله الاخيرة ماهي الا محاوله لفتح افق جديدة امام منجزه الفني والجمالي في توظيف مضمونية الشكل الواقعي في خدمة الخطاب التأويلي والجمالي عبر دراسة المفردات اليومية المؤلفة للمحيط الانساني وما يدور في فلكها من اشياء. فهو يمازج في اعماله بين الثيم حد الاختلاط والذوبان تاركا للفراغ بعدا ايحائياً يشكل اللون فيه سطوة السطوع من اجل ايجاد التوازن والتوافق التكويني وخلق المعنى الاشاري للرمز الشيئي المتراكم والمتداخل والذي يتحول الى ارتسامات باطنية ذات طابع جمالي سيكولوجي يستوحي علامات خارجية ويعيد صياغتها وفق نسق فكري انساني واضح المعالم. فهو يقوم بعملية تفكيك منتظم وواع ٍ للعناصر المكونة للموضوع الى اجزاء ويذيبها في البناء الشكلي للوحة. فهو اذن لم يحاول التخلص من جذره الواقعي في البنية التصويرية بتهشيم الملامح الخارجية فحسب بل يحاول ان يعيد بناء المفردات التشكيلية وفق نمط اخر مغاير للواقع، كما انه في الوقت ذاته لا يرتمي في حضن التجريد المجاني للاشياء بل يحاول جاهدا ان يعيد صياغة الواقع المتخيل لابراز الهم الانساني ومعالجة همومه بشكل يبتعد عن مباشرة الواقعية والتشخيص التفصيلي، مرتكزا الى التشخيص الرمزي التفاعلي المتراكم بتركيبات شكلية لخلق الصورة الموحية ذات المدلولات المتعددة عبر ايجاد مجموعة من العلاقات بين مختلف عناصر التكوين وربطها بمفهوم تكاملي، قد يكون غير معقلن في بعض الاحيان لكنه بالتأكيد منظم بشكل قصدي ويرتكز على مرتكزين اساسيين، الاول هو النصية التي تمثل العوالم الداخلية للمبدع بخطابة الجمالي عبر اللون وخلق واعادة تركيب الانساق المصغرة كمفردات مكونه للعمل الفني حيث يتجسد الوعي داخل الشكل واللون اذ يندمج في حالة نوعية، فاللون الاحمر مثلا والذي يغرق مساحات واسعة من لوحاته يحمل خصوصية حرارة اللون وكمونه البصري ( كلون مسيطر) ويحاور ما جاوره من الألوان ليعطيها بعدا تمثيلياً ورمزياً اكثر ايضاحا للقصدية التي تحدثنا عنها. اما المرتكز الاخر فهو البعد الخارجي الذي يجسد ويستوعب الخطاب النقدي الذي يريد الفنان طرحه فكريا والمستوحاة من اصول متعددة يختزلها في اطار تفاعل قصدي فاعل وديناميكي، عبر نزعة تصويرية تتسم بالتجريد وان غلفها في بعض الاحيان بغموض من نوع خاص، وبأسلوب يتيح للخيال اقصى درجات الحرية واعادة تشكيل الاشياء وفق منطلق العقل الباطن وبتراكيب متداخلة لخلق عالم آخر بمنظور يجمع بين عالم الواقع ويتجاوزه الى ما يمكن ان نسميه ( ما بعد الواقع ). لا شك في أن مدلولات الفراغ وجوهره عند الفنان هي مدلولات ديناميكية تحاول تنشيط عملية التأويلية للمتلقي، حيث يترك الفنان العنان للطاقة الذاتية للانعتاق في التعبير التلقائي ومحاولة اسقاطها على الواقع الخارجي بنزعة احتجاجية واضحة، تبرز ما يتعرض له الانسان من معاناة. فهو احد المبدعين الذين يريدون ان يكونوا واعين بفنهم مساهمين قدر المستطاع في رفع الاستلاب عن الانسان فما وظيفة الفن عنده الا الكشف عن دلالته المتمردة.

فهو في الوقت الذي يلجأ إلى الواقع المجرد هاربا منه محتميا من عنفه واختلافه، وتشظيه، الى غرائبية وقائعية تتنوع على مستوى المضامين وبرصد ذكي للواقع الممتلىء بالمتناقضات والفواجع من أجل البحث عن الإنسان المفتقر إلى هويته والمسلوب الإرادة هائما على وجهه يبحث عن ذاته المغتربة كفنان وانسان مبدع فأغلب تشخيصات الفنان تبدو عاجزة عن ادراك هذا الواقع كشيء متكامل ونهائي في التعبير الفني، لذا فهو يهرب الى الرمز ليعبر عن الواقع الفاعل والمؤثر في المجتمع.

إن اعماله تعبر عن موقف ورؤية مـمّـا يحدث في هذا العالم، انها كما يبدو رغبة الوعي النقدي لديه والتي تدفعه نحو مزيد من الابتكار الموضوعي لرؤى مغايرة ومختلفة في مصدرها ومرجعيتها لخلق النص التشكيلي غير المألوف، فقد كان من إيجابيات هذا الاسلوب الذي استخدمه أنه استطاع وبوعي أن يحاصر المنهج النصوصي الشكل ذا النزعة الظاهرية ليطوره بعيداعن الشكلانية والقراءة الحرفية الجامدة للشكل والواقع ،عبر حرفية دمجت التشبيه والتجسيم بأجواء اللوحة التجريدية كما أدخلت السطح المؤثر والتفكيك القيمي إلى جسد اللوحة بشكل لافت ومميز.